على نقيض تعامل محور "حزب الله" وحلفائه المسترخي ظاهرياً والتارك الأمور لأوقاتها حتى اليوم، ثمة من يتحفزون في محور تحالف 14 آذار لخوض معركة رئاسة الجمهورية على أنها قضية مصيرية. ولا تهاون.
يُقرّ هؤلاء، الوازنون والمؤثرون، بواقع أن رئيس الجمهورية مسيحي ينتخبه المسلمون، لكنهم ينطلقون هذه المرة من أن السياسة مثل الحياة مبادلة. نؤيد من ترونه وتسمونه أيها الرفاق لرئاسة الحكومة أكان تمام سلام أم غيره مع حفظ الألقاب. أما رئاسة الجمهورية فنحن نتولى قيادة معركتها وأنتم تؤيدون، يقولون. نحن لها وهذا توزيع عادل ومنطقي للأدوار تحقق التفاهم عليه. لن يتجاوز حليف حليفه ويقرر عنه. هناك آلية مضمونة وُضعت لذلك وباتت قيد العمل.
هذه الألف. الباء أن هناك قراراً متخذاً ونهائياً بعدم الرجوع إلى الوراء بعدما بانت للجميع محورية موقع الرئاسة. ترجمته أن مواصفات الرئيس المقبل للجمهورية يجب أن تكون "من الرئيس ميشال سليمان وطلوع". لا مجال هنا للتردد. ويجب أن يكون متمتعاً بحدٍ معيّن من التمثيل . إذا توافق المجتمعان الإقليمي والدولي على مرشح بمواصفات وطنية وتمثيلية وشخصية أقل ( نائب ووزير سابق مُبتعد عن الأضواء ويُقدم كمثل يُمكن أن يرضي كل الأطراف) فلا يُفاجأ أحد بذهاب أفرقاء وشخصيات من خصوم الجنرال ميشال عون الألداء بعيدا في الإعتراض. يمكن أن يصلوا حتى إلى تأييد ترشيح الجنرال. يقولون إنه مثير للجدل صحيح ويصعب توقّع ردود فعله، ولكن لا يمكن نكران تمثيله فئة من اللبنانيين المسيحيين تمثيلاً يمكنه من حماية موقع الرئاسة من التطاول عليه والتعطيل المتمادي لصلاحياته على ما جرى من أيام الرئيس الراحل الياس الهراوي. إشارة تكفي لتوضيح أن توقيع رئيس الجمهورية أو عدم توقيعه يحكم مسار الجمهورية. الرئيس القوي لا يوقّع إلا ما يقتنع به. "نريد رئيساً قوياً"، يقولون. ولا يُهملون التذكير بدور يجب أن تقوم به الكنيسة المارونية في حض النواب على توفير النصاب وعدم المقاطعة لجوهرية المسألة بالنسبة إلى نظام لبنان وحضور المسيحيين ودورهم فيه.
ولكن قبلاً، ماذا عن التمديد أو التجديد لولاية رئيس الجمهورية؟ يرفضه أولاً الرئيس ميشال سليمان نفسه على ما أعلن مراراً. ويرفضه الجنرال عون بالطبع. والدكتور سمير جعجع أيضاً إلا إذا طرأ ما ليس في الحسبان. قد توحي أو تتدخل دول غربية وعربية بالسير في هذا الإتجاه لتحاشي الفراغ في الأيام الأخيرة قبل انتهاء الولاية. إلا أن ثمة حساباً آخر للتصرف في تلك الأيام. فبناء على دراسة قانونية (نشرت "النهار" فحواها الخميس الماضي) يفلت مجلس النواب من سلطة رئيسه نبيه بري إستناداً إلى قول الدستور بحتمية الإنتخاب في الأيام العشرة الأخيرة لتحاشي الفراغ. وإذا أقفل الرئيس بري مجلس النواب وعطّله كما فعل أكثر من مرة خلال سنوات رئاسته القياسية، فيترأس الجلسة في مقرّ أي مؤسسة رسمية، نائب رئيس المجلس أو النائب الأكبر سناً لا يهمّ، وينتخب الرئيس بالنصف زائد واحد. وستكون فرصة للإتيان برئيس قوي تمثيلاً أو موقفاً.
ومن يعلم؟ قد يؤيد الجنرال عون نفسه الانتخاب بالنصف زائد واحد. فهو يشكل فرصته للفوز، خصوصاً إذا تردد حلفاؤه وتحديداً "حزب الله" في تأييده، باعتبار أن تأمين نصاب كبير لخوض معركة غير مضمونة النتيجة، و"على صوت واحد "، قد توصل إلى خسارة جسيمة وذات نتائج خطيرة على الحزب، أين منها خسارة "المكتب الثاني" أو "النهجيين" لمعركة رئاسة 1970.
يجب أن يزيد من مخاوف الحزب المذكور واقع أن فريق 14 آذار ينطلق في حساباته من 63 نائباً يصوتون لخياره الرئاسي، بمن فيهم الرئيس نجيب ميقاتي والوزير أحمد الصفدي والنائب أحمد كرامي. كلٌ لحساباته بالطبع. الحسابات هذه صحيحة أو مغلوطة؟ هذا شأن آخر.
يكرر أصحاب هذا الرأي أن مصيرية المسألة تعود إلى أهمية احترام المهل الدستورية في قيام الدول والقانون. ولطالما تميز لبنان عن دول الشرق بتداول السلطة وانتخاب رئيس كل 6 سنوات. هذه رسالته لتتشبه به دول المنطقة المتلهفة شعوبها إلى الديموقراطية، لا أن يحتذي هو بأنظمة بائدة فيها.
يتحاشى السياسيون المخططون الخوض في الأسماء من اليوم. "بعد بكير". لكنهم يتفقون على أن تكرار تجربة الإتيان بموظف كبير على غرار انتقال الرئيس سليمان إلى القصر احتمال ضئيل في رأيهم، خصوصاً أنه من جهة يدمر تحالف "حزب الله" – الجنرال عون الرافض بشدة لهذا الخيار، ومن جهة يستلزم تعديلاً دستورياً أي توافر نصاب ثلثي المجلس. ولا يشكل انتخاب الرئيس ميشال سليمان من غير تعديل للدستور قاعدة يمكن استخدامها مرة أخرى. ففي أيار 2008 رفض الرئيس بري إدخال تعديل إستثنائي لمرة أو دائم لكل المرات. تذرع بأن قائد الجيش آنذاك سينتخب بإجماع النواب الـ128 وبالتالي يعبّر عن إرادة مجلس النواب والشعب.
أما في الأشهر المقبلة فالوضع مختلف تماماً: إذا توافر نصاب كبير فما الذي يمنع انتخاب رئيس في معركة تصويت عادي، خصوصاً أن قوى 14 آذار مصممة على الإتيان برئيس من صفوفها أياً يكن المرشح الذي يقدمه الفريق الخصم؟